الاسد والثيران الثلاثة
لكن أسداً كسولاً ظلَّ يغط في نومٍ عميق ولم يستيقظ إلا بعد أن ارتفعت شمس الضحى عالياً في السماء، نهض من نومه متثاقلاً وتوجه إلى بركة الماء وشرب منها قليلاً ثم شعر بالجوع الشديد لأنه لم يذق الطعام منذ أيام.
ثم وقف يطيل النظر إلى حيوانات الغابة وهي تتحرك هنا وهناك قد غمرتها السعادة، فوقع نظره على الثيران الثلاثة وبدأ يتحدث مع نفسه:
ـ ايه... إن بطني الخالية لا يملؤها إلا هذه الثيران السمينة الشهية، كلما نظرت إليها ازداد جوعي وسال لعابي، ولكن ماذا أفعل؟ أنها قوية ولا تتفارق أبداً ولا أستطيع أن افترسهم ما دامت متحدة!
لا بد أن أدبر حيلةً وأفرقهم، فما أفعل يا ترى؟!
راح الأسد يفكر ويفكر طويلاً، ثم بعد مدةٍ ضحك قائلاً:
ـ وجدتها.. وجدتها ها... ها... ها.
اقترب شيئاً فشيئاً من تلك الثيران القوية وخاطبها قائلاً:
طاب صباحكم يا أصدقائي الثيران الأعزاء.
ـ طاب صباحك أيها الأسد.
ـ ما أجمل صداقتكم وحبكم لبعضكم، أتمنى أن أكون صديقكم.
ـ ونحن نتمنى أن نكون أصدقاءك أيها الأسد.
وحينما سمع الأسد هذا الكلام الجميل من تلك الثيران، وقف ينظر إليهم قليلاً، بينما راح الثور الأبيض يبتعد مشغولاً بالأكل، عندها اقترب الأسد من الثور الأسود والثور الأحمر وهو ينظر عن يمينه وشماله حتى لا يراه أحد، وقال بصوت منخفض:
ـ أيها الثور الأسود القوي، يا صديقي الثور الأحمر الشجاع، أريد أن أتحدث إليكما بأمرٍ مهمٍ جدأً، انه سرٌ خطير.
ـ ماذا تقول أيها الأسد، أمر مهم، سرٌ خطير؟!
ـ نعم، إنه أمرٌ تتوقف عليه حياتكم وحياة بقية حيوانات الغابة.
ـ ما هو هذا الأمر تكلم أيها الأسد؟!
ـ انظرا إلى الثور الأبيض، ما أشد بياضه، وما أكبر جسمه.
ـ ماذا تريد أن تقول أيها الأسد؟!
ـ أريد أن أقول لكم: إن هذا الثور بلونه الأبيض يجعل غابتنا هدفاً للوحوش والحيوانات المفترسة الأخرى، وأخاف أن تهجم علينا الحيوانات المفترسة إن بقي معنا في الغابة.
ـ وما العمل أيها الأسد؟
ـ عندي حل، ولكن ارجو أن توافقاني عليه.
ـ ما هو الحل أيها الأسد؟
ـ ها... آ... دعونا نتخلص من هذا الثور الأبيض ونرتاح من خطر وجوده معنا.
ـ ولكن... كيف نتخلص منه؟
ـ عندي الطريقة المناسبة.
وبعد لحظاتٍ من الصمت، نظر الثور الأسود إلى صاحبه الثور الأحمر ولم يتكلم أحد منهما، حينها قال الأسد:
يا أصدقائي الأعزاء، إنما أريد أن ادفع الخطر عنكم وعن بقية حيوانات الغابة.
عند ذلك تقدم الثور الأسود وقال:
ـ إن كان ما تقوله صحيحاً ـ أيها الأسد ـ فأنا موافق. ما هو رأيك أيها الثور الأحمر؟
ـ أنا أيضاً لا مانع عندي من ذلك، فوجود الثور الأبيض يعني وجود الخطر في غابتنا.
ابتسم الأسد ابتسامةً ماكرة، وهو ينظر إلى الثور الأبيض من بعيد ويخاطب نفسه قائلاً:
ـ نجحت الخطة. ايه أيها الثور الأبيض السمين استعد للموت ها... ها... ها..
ومضت الأيام ولم يبق في الغابة من الثيران غير الثور الأحمر والثور الأسود بعد أن افترس الأسد الماكر ذلك الثور الأبيض ولم يبق منه إلا العظام. وفي ذات يوم وبينما كان الثور الأسود يأكل في مكان من الغابة والثور الأحمر يأكل في مكان آخر قريب منه، اقترب الأسد الماكر وقال:
ـ طاب صباحك أيها الثور الأسود القوي.
ـ طاب صباحك أيها الأسد.
ـ كيف حال صديقك الثور الأحمر هذا اليوم؟
ـ إنه بخير.
ـ أيها الثور الأسود، انظر إلى الثور الأحمر، ما أكبر جسمه وأقواه لأنه يأكل العشب الطري الجيد، وأنت لا تأكل إلا العشب الرديء، لذا فإن جسمه يقوى ويكبر بسرعة، واظن انه اقوى منك، وقد قال لي قبل أيام إنه أقوى حيوان في الغابة.
ـ ها... هو قال ذلك؟!
ـ نعم، ويقول إني أقوى من صاحبي الثور الأسود واشجع منه.
ـ أنت سمعته يقول ذلك أيها الأسد؟!
ـ نعم يا صديقي.. نعم.
ـ إذن سأذهب إليه، وسترى أيها الأسد من هو الأقوى والأشجع.
انطلق الثور الأسود بسرعة نحو الثور الأحمر، وما أن وصل إليه فاجأه بضربةٍ من قرنه القوي فغضب الثور الأحمر لذلك ووجه ضربة مماثلة برأسه الكبير إلى الثور الأسود، واشتد القتال بينهما وما هي إلا ساعة حتى سقط الاثنان وقد غطت أجسامهما الدماء من أثر الجراح، ولم يستطيعا النهوض أو الحركة.
استنجد الثور الاحمر بالاسد ....
وطبعاً لم يجد الاسد فرصة احسن من هذه الفرصة فهجم على الثور الاسود والتهمه
وبعد لحظات جاء الأسد الماكر ووقف عند الثور الاحمر وضحك ضحكةً عالية وقال:
ـ بالأمس كنتم أقوياء لأنكم متحدون ويحب أحدكم الآخر، أما اليوم فقد ذهبت قوتكم لتفرقكم واختلافكم، فأصبحتم فريسةً سهلة لأعدائكم
- عندها ايقن الثور الاحمر الخطأ الذي وقع فيه هو واصدقاءه الثيران
وقال مقولته الشهيرة:
((( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ))
Commentaires
Enregistrer un commentaire